المثاقفة العلمية مع إسرائيل

المثاقفة العلمية مع إسرائيل

Manahel Thabet
Manahel Thabet

العقل المكتسب مادة، والعقل الغريزي آلة، ويمكن تمثيل ذلك بالنار والحطب والآلة والوقود، وإنما العلم هو أن تزيد عقل غيرك في عقلك!

بعيداً عن صراعات السياسة التي تسبب التحيز دائماً لطرف دون آخر، نضع تساؤلات لغرض المعرفة في بداية هذا المقال: من هي إسرائيل علمياً؟ وكيف يمكن الإفادة من تجربتها العلمية؟ وسنحاول تقديم إجابة لها من خلال مقالين، وهذا هو الأول.

 

بعد انهيار النظام الاقتصادي المتمثل في الآلات الميكانيكية التقليدية التي كانت تدير عملية إنتاجها مكاتب وشركات بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، كان لا بد من استبدال ذلك النظام بنظام جديد هو النظام المعرفي، وقد أدركت العديد من الحكومات في العالم أهمية التحول المبكر نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، ومنها إسرائيل التي انصرف اقتصادها عن اعتماده على منتجات الحقول الزراعية إلى الاعتماد على المعرفة، فكان اهتمامها بالعلوم والمعرفة مكوناً رئيساً لغايتها في التفوق صناعياً وعسكرياً وعلى الأصعدة كافة، عبر استراتيجية منظمة ومحددة الأهداف للبحث العلمي في شتى مجالات المعرفة.

ولمن لا يعرف، فإسرائيل تنفق ما مقداره 4.7 % من دخلها القومي على البحث العلمي، وتحتل الجامعات الإسرائيلية مراكز متقدمة في أبرز التصنيفات العالمية للجامعات كتصنيف معهد شنغهاي وتصنيف «كيو إس» وتصنيف «ويبوماتركس». أما مؤسساتها العلمية فلديها 55 مؤسسة للتعليم العالي منها 8 جامعات هي:

التخنيون، حيفا، تل أبيب، بار إيلان، بن غوريون، العبرية، معهد وايزمان، الجامعة المفتوحة، و23 مؤسسة لتأهيل المعلمين، و24 كلية أكاديمية وتدرس هذه المؤسسات أكثر من 500 تخصص، وعدد طلاب مؤسسات التعليم العالي يزيد على 270 ألفاً، يتعلم 37 % منهم في الجامعات، و44 % في الكليات، ويشارك 19 % بدورات مختلفة في إطار الجامعات المفتوحة، ويبدأ الطلاب دراستهم الأكاديمية في سن الـ21، بعد 3 سنوات من الخدمة الإلزامية في الجيش وسنتين للنساء.

تهتم إسرائيل بالأبحاث المعمقة وتعتمد عليها وتعتبرها من الركائز الأساسية لرسم وبناء الاستراتيجيات في كل المجالات.

وتتبنى مؤسساتها العلمية النموذج الألماني والطابع النخبوي، حيث من الضرورة التركيز على البحث العلمي الأكاديمي والدراسات العليا. ونشأت وفقاً لهذه الرؤية البنية العلمية التي نما منها الجهد العلمي الإسرائيلي الحديث.

وتتمثل قدرات برنامج البحث والتطوير في عدد من المؤسسات الحكومية، منها هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية ومؤسساتها والمجلس القومي للبحث والتطوير ومؤسساته ودائرة التطوير ومشروع الحاضنات التكنولوجية واتفاقيات التعاون العلمي، والتكنولوجي مع العديد من دول العالم المتقدمة.

وتتركز مجالات البحث العلمي في إسرائيل في مجال الكمبيوتر وصناعة المعلومات وصناعة البرمجيات وعلوم الذرة وتقنياتها وعلوم الفضاء الكوني وتطبيقاته والتكنولوجيا الطبية والبيولوجية.

أما عدد علمائها، ففي أواخر التسعينيات وصل العدد لـ135 ألفاً. أي أن هناك عالماً لكل 10 آلاف إسرائيلي، وتحتل إسرائيل المركز الثالث في مجال تكنولوجيا المعلومات، والمركز الخامس عشر في إنتاج الأبحاث على مستوى العالم.

أما بالنسبة لعدد السكان والمساحة، فهي الأولى على مستوى العالم في مجال إنتاج الأبحاث، وقد نشر الباحثون الإسرائيليون 138881 بحثاً محكماً في دوريات علمية تتميز بالجودة والنوعية، وهذا يمكن الاستدلال عليه من عدد الاقتباسات من تلك الأبحاث إذ بلغ عدد اقتباسات الأبحاث الإسرائيلية 1,721,735 اقتباساً، وبلغ معامل الفعالية (H) لإسرائيل 293. أما بالنسبة لبراءات الاختراع، فهي المؤشر الأكثر تبايناً بين العرب وإسرائيل. فقد سجلت إسرائيل ما مقداره 16,805 براءة اختراع.

نكتفي بهذا القدر ونعود إلى مقولتنا في بداية المقال «وإنما العلم عقل غيرك تزيده في عقلك»، لنجد أنه من الضرورة المثاقفة العلمية مع إسرائيل، على أساس احترام الآخر وعدم انتقاصه أو الاستعلاء عليه، كما كان يحدث في بعض الثقافات في بعض العصور، أي أنها مثاقفة علمية معكوسة، فنحن نملك أيضاً من المعارف والعلوم والكوادر ما يسمح لنا بتبادله مع الآخر كما يسمح لنا بالأخذ منه.

لقد كانت أول بوادر هذه المثاقفة القائمة على أساس علمي المبادرة العظيمة التي أبرمت اتفاقيتها مؤسسة أبيكس الوطنية للاستثمار المتخصصة في تطوير الأبحاث مع نظيرتها الإسرائيلية تيرا في محاولة جادة لتطوير أبحاث علمية لإيجاد لقاح جذري لفيروس «كورونا».

ويجب أن يكون هناك المزيد من مثل هذه الاتفاقيات ولعلها فرصة ثمينة لتجاوز حالة الركود العلمي التي أصيب بها العرب منذ القرن الثاني عشر. وفي ختام هذا المقال نبارك جهود القيادة الرشيدة للحكومة الإماراتية التي تسعى لتفكيك العُقد التي لم تجد لها الحكومات العربية غير الخراب والحروب والدمار، ولنتذكر أن السلام لا يتحقق إلا على ضفاف الاختلاف واحترام الآخر. وللحديث بقية.

* خبيرة الاقتصاد المعرفي

د. مناهل ثابت*

صحيفة البيان

Related Post:

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn
Share on whatsapp
WhatsApp

Videos:

35
Play Video
Manahel Thabet Ph.D. – President participated in the first Economic Leadership Workshop
Play Video
en_USEN