عبقرية التكنولوجيا!

عبقرية التكنولوجيا!

Manahel Thabet
Manahel Thabet

يدهشني في عوالم التكنولوجيا تلك القدرات العبقرية التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي، إنها لا تقل شأناً أو أهميةً عن تلك العبقرية التي رأيناها في مظهر «العقل الجمعي» لدى الخليل بن أحمد الفراهيدي وتجسدت في معجم «العين»، كما تتجلى عبقرية الإدارة والتنظيم لدى الوصابي في كتابه المُعجِز «الإعلان»، وكذلك رأينا العبقرية ذاتها لدى أحمد المُعجِز ضرير المعرّة في «لزومياته التي لا تلزم».

وإن كان ولا بد فعلينا أن ندرك أنه وبالضرورة، يجب أن نجد في كل زمن شيئاً من تلك العبقرية، شيئاً مدهشاً بحق يشغف الناس به ويتبعونه حتى ولو لم يكن اتباعهم بالطريقة المألوفة إلا أنه بالضرورة سيحاط ذلك الشيء بهالة من القداسة هي قداسة المعرفة والخروج عن النص واستباق العصر برؤى ونبوءات فتخف بانشغال الناس بها أوجاعهم مهما تعاظمت وإلا فإن حياتهم ستبدو شيئاً من الملل الذي يضاهي الموت في بؤسه ورتابته وتعطيله لوظائف حواس الإنسان ومهام العقل البشري.

 

ولعل الأجمل في هذا العصر هو اجتماع كل تفاصيل تلك العبقريات والفلتات، التي وردتنا أخبارها في كتب التاريخ، ولطالما روى الرواة للناس عنها، في مظهر واحد هو مظهر الذكاء الاصطناعي الذي هو بحق إحدى عجائب عصر التكنولوجيا الذي نعيشه وإحدى المعجزات التي أنتجتها خبرة الإنسان والمعرفة التراكمية للبشرية.

إن أهم ميزة يمكن الحديث عنها الآن عن عبقرية التكنولوجيا هي تلك القابلية المطلقة لدى تقنيات الذكاء الاصطناعي على التعلم العميق، ثم وهو الأهم التطور الذاتي الذي يتجاوز السياق الذي يضعه المبرمجون وصناع التكنولوجيا لمنتجات الذكاء الاصطناعي.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الرضى الذي يحصل عليه المبرمجون وصناع التكنولوجيا حين تتجاوز روبوتات الذكاء الاصطناعي ما تعلمته منهم وما يمكن أن يملكونه من إحاطة علمية بخصوصها، هو الرضى ذاته الذي قد يحصل عليه معلمٌ ما حين يتجاوزه تلميذه، إن ذلك وحده هو أعظم مكافأة قد تقدم لأي معلم على وجه الأرض من تلميذه.

وكما يبدو فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مهما رأينا من ملامح لبلاغتها في الوقت الراهن إلا أنها تبقى مجرد رفرفة أجنحة تسبق التحليق، وخطوة أولى فقط في طريق التطور والحضارة الإنسانية، إنها تشبه مرحلة الخيال التي سبقت كل هذه التكنولوجيا ومهدت الطريق لواقعيتها التي نعيشها اليوم، وسيستمر التطور البشري باستمرار الإنسان في إنتاج الخيال.. نتذكر هنا أيضاً قصة «ألس في بلاد العجائب» التي عبّدت الطريق أمام نظرية النسبية في الفيزياء لإينشتاين التي تتطور في كل يوم على يد علماء الفيزياء والرياضيات، ونتذكر أيضاً قصصاً أخرى مثل نظارات بجماليون التي بفضلها تشكلت معالم نظارات الواقع المعزز والافتراضي وكذلك نظارات الأبعاد الثلاثية وغير ذلك من ابتكارات عبقرية.

إن عبقرية الذكاء الاصطناعي ليست سوى تجسيد لعبقرية العقل البشري الذي أجاد صياغة تفاصيل التكنولوجيا بما يمكن بحق أن يرقى بحاضر البشرية ومستقبلها، ولعلها أعظم مظاهر الخلود التي طالما حلم بها الإنسان عبر مراحل هذا التاريخ الكبير لتراكمات المعرفة البشرية؛ ولا أعني بالخلود هنا ما قد يذهب إليه القارئ المتعجل بل أقصد الخلود في عالم الإنسانية وفيما يخص الحياة التي نعيشها حتى نلقى الله، يوم يفنى كل شيء في هذا الكون بأمره. وللحديث بقية.

صحيفة البيان

Related Post:

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn
Share on whatsapp
WhatsApp

Videos:

35
تشغيل الفيديو
Manahel Thabet Ph.D. – President participated in the first Economic Leadership Workshop
تشغيل الفيديو
arAR